Thursday, September 16, 2010

نقطة الإنطلاق والهدف المنشود

نقطة الإنطلاق والهدف المنشود

فضيل الامين
المنارة
يحكى أن شخصاً طلب من صديق له أن يدله على الطريق الذي يجب أن يسلكه للوصول إلى مكان معين. فكّر صديقه في الأمر ملياً ثم قال له: 'خذ هذا الشارع ثم لف على اليمين واستمر لمسافة كيلومترين .. ثم.. لا لا هذا الطريق لن يوصلك. خذ الشارع الفلاني ثم خذ الطريق السريع الفلاني واخرج على الشارع العلاني ثم لف شمال وتجاوز الاشارة الضوئية الثانية... لا لا هذا الطريق لن يوصلك إلى المكان الذي تريد... خذ الطريق السريع ثم انطلق على الطريق الساحلي وتجاوز قرية... لا لا لا اعتقد ان ذلك سينفع'

صمت الصديق ملياً ثم التفت إلى صديقه وقال: 'إنك لا تستطيع الوصول إلى هناك من هنا'. وأضاف مفسراً: 'يجب أن تغيّر نقطة الانطلاق لكي تصل إلى هدفك المنشود'.

تحضرني هذه القصة كلما تأملت واقعنا الليبي وقرأت عن حجم الرغبة ومقدار الجهد الذي يتم بذله للخروج بالبلاد من واقعها التي تئن تحته. فلا شك ان هناك نية صادقة لدى البعض للارتقاء بالبلاد وحل مشاكلها المتراكمة وأزماتها المزمنة ولكن النوايا الصادقة وحدها لا تكفي كما ان الشعارات البراقة والصراخ العالي لن يجدي.

هناك أمران اساسيان لابد من احسان اخيارهما قبل الشروع في مشاريع الاصلاح والبدء في التحرك نحو الأهداف المرسومة.

أولهما: تحديد نقطة الانطلاق بعد تحديد نقطة الوصول أو نقطة الهدف. ولا بد أن تتوافق نقطة الانطلاق مع نقطة الوصول وإلا ستكون انطلاقة تيه مستمر.

ولا بد أن يتم التأكد أنه يمكن الوصول إلى الهدف من تلك الانطلاقة. أي لابد أن تكون الفرضيات التي تشير إلى جهوزية الجميع وقدرتهم على الوصول إلى الهدف من تلك النقطة وإلا فلا بد من تحديد نقطة انطلاق انتقالية قد لا تكون على خط مستقيم مباشر مع نقطة الهدف إلا انها تخدم كنقطة تحريكية وتوفر جهوزية مفقودة واحدثيات جديدة تتوأم مع الهدف.

الثاني هو أداة الانتقال ووسيلة الوصول، فلا بد ان يتم اختيار الوسيلة الأنسب والأحدث والأقدر التي من شأنها تأمين الانتقال والوصول إلى نقطة الهدف.  والأمثلة على ذلك كثيرة، ودعنا نضرب مثلا قريبا منا، نحن العرب، هل يمكن الهبوط على سطح القمر باستخدام البعير.

من حيث المبدأ، البعير وسيلة تنقل ونقل كما أن المركبة الفضائية أبولو والمكوك الفضائي أيضا وسائل نقل وتنقل. البعير قد ينقلنا من نقطة ما في الكرة الأرضية إلى نقطة اخرى عبر زمن يطول أو يقصر من ساعات إلى سنوات أو عقود من الزمن وعبر مكابدات وتضحيات. إلا أن البعير لا يطير ولن يطير ولا يمكن أن ينقلنا إلى القمر أبداً.

يمكن نقل الانسان والبعير في المكوك إلى القمر ولكن لا يمكن نقل الانسان والمكوك على ظهر البعير إلى القمر.

أقرأ وأتابع وباحترام قرارات وتصريحات أجهزة الحكومة وهي تصارع المشاكل المزمنة التي تعاني منها البلاد، من ازمة مواصلات إلى أزمة الصحة إلى أزمة السكن إلى مشكلة البطالة إلى أزمة غياب الاستثمار والمبادرات الفردية والجماعية إلى أزمة المياه إلى أزمة أمن وجريمة إلى غياب البنية التحيتية.

ولا شك عندي أن هناك جهود صادقة ومخلصة يقوم بها مسؤولون لمواجهة هذا الركام الهائل من الفشل ولكن ما لم تكون نقطة الانطلاق صحيحة والوسائل والادوات صحيحة فلن تكفي النيات ولا الاهداف الجميلة البراقة.

كما نتحدث عن انهيار البنية التحيتة للبلاد بعد اهمال تحديثها عبر سنوات لابد أن نتحدث عن بنية البيروقراطية والادارة الحكومية التحتية التي تعاني من تخلف وتآكل وفساد . ويصاحب ذلك بنية قانونية تحتية متخلفة.

فالقوانين المتضاربة والقوانين البائدة والقوانين المتعسفة والقوانين المعرقلة والقوانين المرهبة والقوانين المانعة... فهل يمكن تشغيل محرك سيارة يعمل بالبنزين بحشو خزان الوقود بالتبن أو الصفصفة؟

كل ذلك يجعلنا نفكّر في صدقية نقطة الانطلاق ومدى قدرتها على ايصالنا إلى نقطة الهدف كما يلقي كل ذلك ظلال شك على قدرة الوسائل الحالية للهبوط بنا على سطح القمر. فالجمال لا تطير ولكي نصل إلى القمر لابد أن نعبر الفضاء ولا يمكن الوصول إلى السماء عبر الحفر في أعماق الارض. وكلما استمر الحفر كلما ازداد عمق الحفرة وصعب الخروج منها.

حان الوقت لاعادة النظر في فرضياتنا ووسائلنا لتكون متناسبة مع واقعنا وأهدافنا.

فالوقت هو الحياة.

No comments:

Post a Comment